الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد –صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
لا خلاف في أنه لكل علم مداخله، ولكل كتاب مقدمته، وإذا كان علم القانون متعدّد العلوم متنوّع المعارف، فإنه لا غنى لطالب الدراسات القانونية أو الدراسات المقارنة من البدء بالنظرية العامة للقانون، لما فيها من تناولٍ للمفاهيم الأساسية والمداخل الضرورية الممهّدة لعلوم القانون المختلفة.
ومما لا شك فيه أيضا أن منطق العلم، ومنهج البحث بخصوص الدراسات المقارنة يقتضي المقابلة الموضوعية، والطرح المتجرّد، والعرض المنصف، ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره. تصوّرا موضوعيا لا ذاتيا ناتجا عن خلفية نمطية أو صورة ذهنية سابقة.
وعليه فإن المنهج العلمي في مجال الدراسات المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون يقتضي تتبع المفاهيم القانونية ومعرفة المقصود منها، وملاحظة اختلافات فقهاء القانون بشأنها، ثم وضع كل ذلك في ميزان الشريعة الإسلامية، ومقابلته بنظريات الفقه الإسلامي.
كما أن الموضوعية تقتضي أيضا عدم التعامل مع الفقه الإسلامي على أنه فهم بشري مجرّد، أو أنه نتاج عقلي محض، أو اجتهاد منفصل عن وحي الشريعة. ذلك أن فقهاء الإسلام إنما استنبطوا ما ذهبوا إليه من أحكام بالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي، وقواعده العامة ومقاصده الكلية، فالفهم الفقهي لا يستقل عن الوحي الشرعي، والمجتهد كاشف للحكم غير منشء له، فهو يستعمل آلة الفهم والاستنباط على ضوء أصول الشريعة ووحييها.
فلا شك أن العقل البشري بخصوص القوانين الوضعية قد اجتهد، كما لا شك أيضا أن أكثر فلاسفة القانون وفقهاءه قد بذلوا في سبيل تحصيل نظرياتهم الكثير من الجهد، فقلّبوا النظر وأمعنوا الفهم واستخلصوا الحقائق، وعليه فمن الواجب على الباحث المنصف، والناظر المتبصّر، والمحقّق الـمُدقّق أن يأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، وأن يتعامل مع هذا الإرث القانوني بكل موضوعية، لتُستخلص في النهاية الحقائق العلمية البحتة بعيدا عن كل انتصار ذاتي أو حكم مسبق.
انطلاقا من هذه الزاوية تجسّدت حلاوة البحث، وزادها رغبة تدريسي لمقياس "المدخل للعلوم القانونية" لطبة العلوم الإسلامية لفترة تجاوزت العشر سنوات، تمكنت خلالها من مراجعة الكثير من المفاهيم، وتدقيق الكثير من الاطلاقات سواء على المستوى القانوني أو على المستوى الفقهي.
وعليه فإن هذه المحاضرات تُشكّل تصورا عاما لمختلف المداخل المعرفية للنظرية العامة للقانون مقارنة مع الشريعة الإسلامية.
وقد تم الاعتماد بشكل أساسي على المنهج المقارن، من خلال مقارنة المذاهب والنظم والفلسفات القانونية المختلفة من جهة، ثم القيام بتأصيل مفاهيمها لدى فقهاء الإسلام ومقارنة آراء المذاهب الإسلامية فيما بينها من جهة أخرى، ثم مقارنة الاتجاهين القانوني والفقهي الإسلامي في كل مسألة.
كما تم الاعتماد أيضاً على المنهج الاستقرائي من خلال تتبع المواد والنصوص القانونية، وكذا النصوص والأحكام الشرعية.
وزيادة على كل ذلك، فقد تمّ مراعاة جملة من الضوابط المنهجية لكي يتم الوصول إلى الفائدة المرجوة من هذه المقارنة, والتي يُمكن إجمالها في العناصر التالية:
1. المقارنة بين نظريات وأفكار فلاسفة القانون, ومذاهب الفقه الإسلامي في أغلب جزئيات البحث، ومحاضراته.
2. الاعتماد على المقارنة المباشرة (الأفقية) حرصا على حصول النفع وعدم إرهاق القارئ بغيرها من طرق المقارنة التي قد تُشعِره بأنّه أمام بحثين منفصلين, واحدٌ في القانون وآخر في الفقه الإسلامي.
3. تكون طريقة المقارنة بتقديم آراء فلاسفة القانون وبحث الاختلافات الموجودة بين مذاهبهم, ثم يتم تعقيب ذلك بعرض مذاهب الفقه الإسلامي وما فيها من اختلافات.
4. إذا كان البحث في جانب القانون الوضعي قد شمل أغلب مدارسه التي اهتمّت بهذا الموضوع, فإنّه في جانب الفقه الإسلامي تمّ التركيز على المذاهب الفقهية الأربعة المتمثِّلة في المذهب الحنفي, والمذهب المالكي, والمذهب الشافعي, والمذهب الحنبلي, ولا يتم الخروج عنها إلاّ إذا كان في غيرها من المذاهب رأي بارزٌ في جزئية من جزئيات هذا البحث بحيث لا يُمكِنُ إغفاله.
وإنّما تمّ الاقتصار على المذاهب الأربعة لصعوبة وتعذُّر الإلمام بجميع آراء فقهاء الإسلام المتناثرة ومدارسه المتعدّدة من جهة, ولكون المذاهب الأربعة هي الأكثر انتشاراً بين المسلمين من جهةٍ أخرى. ثمّ أنّ هذا البحث يحكمه زمن محدَّدٌ, وأجلٌ معيّنٌ لا يُمكِن تجاوزه.
5. أما عن لغة البحث فقد كانت بسيطة, مُحَاوَلَةً للتَّقريب بين أسلوبي الكتابة في القانون الوضعي, والفقه الإسلامي.
أما عن خطة الدراسة، فقد تم تقسيم المادة العلمية المتعلقة بمقياس "النظرية العامة للقانون" أو "المدخل للعلوم القانونية" إلى عشر محاضرات بيانها وفق الآتي:
- المحاضرة الأولى: نشأة القانون.
- المحاضرة الثانية: تعريف القانون وخصائصه القاعدة القانونية.
- المحاضرة الثالثة: أقسام القاعدة القانونية.
- المحاضرة الرابعة: أقسام القانون.
- المحاضرة الخامسة: أسس القانون (المصادر الفلسفية).
- المحاضرة السادسة: المصادر الرسمية للقانون (المصادر الأصلية).
- المحاضرة السابعة: المصادر الرسمية للقانون (المصادر الاحتياطية).
- المحاضرة الثامنة: المصادر التفسيرية للقانون.
- المحاضرة التاسعة: تفسير القانون.
- المحاضرة العاشرة: نطاق تطبيق القانون.
- معلم: Tayeb cherif Moufak