وزارة التعليم العالي و البحث العلمي
جامعة احمد درايعية- ادرار-
كليه العلوم الانسانية والاجتماعية
![]() |
التربية و التكوين في الجزائر
مطبوعة بيداغوجية موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر علم اجتماع التربية
مقياس: التربية و التكوين في الجزائر
السداسي الثالث
اعداد الاستاذ : اعراب علي
السنة الجامعية 2023 -2024
عنوان الماستر: علم اجتماع التربية
السداسي : الثالث
اسم الوحدة : أساسية
اسم المادة: التربية والتكوين في الجزائر
الرصيد: 5
المعامل:2
أهداف التعليم :
· التعريف بمراحل التطور التاريخي للنظام التعليمي في الجزائر
المعارف المسبقة المطلوبة :
· معرفة تاريخ الجزائر المعاصر (يتم التطرق إليها في السداسي الثالث والرابع من التكوين في مرحلة الماستر )
محتوى المادة :
أولا: التربية والتعليم في الجزائر في عهد الأتراك
ثانيا: التربية والتعليم في الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي
ثالثا: وضعية التعليم في الجزائر غداة الاستقلال
رابعا: الإصلاحات التربوية في الجزائر .
1- إصلاحات التعليم ما قبل الجامعي
أ- أمرية 16 أفريل 1976 والتعليم الأساسي في الجزائري.
ب- المجلس الأعلى للتربية
ج- اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية
2- إصلاحات التعليم الجامعي
3- الاصلاح التربوي والتغير الاجتماعي في الجزائر.
مقدمة
إن تناول التعليم في أي مجتمع هو تناول لمقومات تنمية و تطوير هذا الأخير ،وهو العملية التي يعتمد عليها في تنمية مختلف القطاعات الأخرى ، و ذلك لأنه يمدها بالمورد البشري الذي تتوقف عليه عملية التنمية بمختلف ابعادها، و المتمثل في الكفاءات و المهارات والأيدي العاملة من مستويات متنوعة .
في هذا المقياس نتناول التربية و التكوين في الجزائر وهذا ما يستدعي بعض من الاقتراب التاريخي للمادة و ذلك لتسليط الضوء اكثر على مشكلات التربية و التكوين في مراحل تاريخية محددة و متمايزة نظرا للترابط الوثيق بين المراحل التاريخية و التأثير الكبير في الخيارات الاستراتيجية في المجال التعليمي ،و في مختلف اركان العملية التعليمية ،والسياسة التعليمية بمحاورها .
قبل التطرق الى المراحل التاريخية لابد من تحديد بعض المفاهيم الضرورية في هذا الموضوع مثل التربية ، التعليم ، التكوين ، التدريب ، الاصلاح ، المدرسة ....ثم ننتقل الى التعليم في فترة الحكم العثماني و مميزاته ، و المشاكل التي كانت تعترض التعليم في المجتمع و خصائصه ، و انتشاره و تمويله ،وتاطيره و البرامج المعتمدة في المناهج التعليمية الى غير ذلك من خصائص المجتمع الجزائري في هذه الحقبة التاريخية .
اما في المرحلة الثانية نتناول فيها الفترة الاستعمارية و التي يمكن ان نقسمها الى فترات تارخية فرعية مرتبطة بالصيرورة التاريخية ،ومقتضيات كل فترة من بداية الاحتلال و المقاومات الشعبية التي اعترضته عبر مناطق مختلفة من الوطن الى بداية العمل على إرساء سياسة تعليمية استعمارية تقوم على اعتماد المدرسة كسلاح في الحرب و الاستعمار من طرف المحتل قصد التمكين والسيطرة على المجتمع الجزائري عن طريق المِؤسسة التعليمية هذا من جهة ؛ومن جهة اخرى نتناول الجهود المبذولة من طرف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،والحركة الوطنية في التعليم الباعث للشخصية الوطنية ،والمواجهة مع المحتل في مجال التربية والتعليم والصراع على مستوى الهوية و مقوماتها ،وما يميز التعليم العربي الحر في تسييره و برامجه وتمويله وأهدافه الى غير ذلك ،والتضييق الذي مارسته الادارة الاستعمارية على التعليم العربي الحر ومميزات التربية والتعليم و اسهاماته في بعث الشخصية الوطنية.
اما المرحلة الاخيرة فهي متعلقة بالمدرسة الجزائرية بعد الاستقلال: بداياتها و مختلف الخيارات التربوية المطروحة في التعامل مع الواقع الاجتماعي التربوي الناتج عن مخلفات الفترة الاستعمارية ،ودور المدرسة الجزائرية بعد الاستقلال ، والتي يمكن ان نقسمها الى ثلاث مراحل فرعية تميزت بإنجازات و صعوبات و تحديات:
تمتد المرحلة الفرعية الاولى من الاستقلال الى غاية تطبيق المدرسة الاساسية ، والتي يمكن ان نطلق عليها تسمية المدرسة الجزائرية ،والتي تميزت بالاصلاح الشامل و تأسيس المدرسة الاساسية الى غاية الانفتاح الاقتصادي و السياسي على التعددية و مختلف الاصلاحات التي مست المدرسة الجزائرية تبعا للتحولات التي عرفها المجتمع الجزائري.
المحاضرة الاولى
تحديد المفاهيم الاساسية في المقياس
1-التربية
يحدد هربرت سبنسر ..التربية هي كل ما نقوم به من اجل انفسناو كل ما يقوم به الاخرون من اجلنا بغية التقرب من كمال طبيعتنا ...ان غرض التربية ينبغي ان يكون الحصول باكمل وجه على المعرفة المهيأة لانماء الحياة الفردية و الاجتماعية في جميع وجوهها والاقتصار على نظرات عابرة الى الموضوعات التي لا تحتل هذا الشأن في ذلك الانماء .
في قاموس علم الاجتماع يحدد ريمون بودون :التنشئة الاجتماعية هي تحويل الفرد من كائن لا إجتماعي الى كائن إجتماعي من خلال تعليمه أنماط التفكير و الاحساس و السلوك ومن نواتج التنشئة هي توفير استمرار كل ما يساعد على السلوك المكتسب .
هذا التحديد يتقاطع مع ما يقدمه اميل دوركايم والذي يركز على الطابع الاجتماعي للتربية فيرى ان :التربية هي التنشئة المنهجية للاجيال الناشئة او الصاعدة حيث يتشكل الفرد من كائنين لا يمكن فصلهما الا تجريديا و هما :
الكائن الفردي او البيولوجي والذي يمكن ان يتجلى بوضوح في الطفل عند ولادته فهو لا يحمل معه الا هذا الجانب ،أي طبيعته الفردية الانانية اللاجتماعية ،ثم يأتي المجتمع ليزوده بالجانب الثاني المتمثل في الثقافة عن طريق التربية ،والتنشئة الاجتماعية ومنه الجانب الاجتماعي ،فيحوله الى كائن اجتماعي من خلال تلقينه المعتقدات ،والمعايير والثقافة عموما بمكوناتها المختلفة ،والجانب المهني والاراء الجمعية ولتكون هاته كلها محددات لسلوكه الاجتماعي وكسبه الطابع الاجتماعي ،وبدون هذا الجانب الذي يجعله اجتماعيا فهو يقترب من الكائن الحيواني
ويمكن إضافة التحديد الثاني الذي يقدمه دوركايم حول التربية في انها:
(التربية هي الفعل الممارس من طرف الاجيال الراشدة على الاجيال التي لم تنضج بعد أي الناشئة من اجل الحياة الاجتماعية ،والتي تهدف الى تنمية بعض الحالات الفيزيقية و الفكرية والأخلاقية التي يحتاجها الفرد ،والمجتمع السياسي عام ،والمحيط الخاص الموجه اليه.
ان أهمية التربية كبيرة في تزويد الأفراد بمختلف المعارف وتدعيم القدرات التي تؤدي إلى المشاركة من أجل تحقيق الفرد لتكامله الإجتماعي ،من خلال مختلف المستويات التي يمكن أن يلعب فيها دورا فعالا ،وأن يساهم في مجتمعه الذي لا يستطيع الإستمرار دون مساهمة أعضاءه في مختلف أنساقه. ويكون من خلال ما يتعلمه الفرد و الابعاد المختلفة للتربية
2- التعليم التعليم ويمكن ان نشير بهذا الصدد إلى التعلم السياسي و التعليم المهني والتعليم المرتبط بمختلف الادوار الاجتماعية المستقبلية من خلال الأسلوب المباشر ويتضمن ما يلي :
أ- التعلم المرتبط بدور المواطن بصفة عامة (وذلك مثل دافع المشاركة، الإرتباطات الحزبية، الإيديولوجية ... الخ
ب- التعلم المتصل بدور المواطن كأحد رعايا الحكومة (وذلك مثل الولاء الوطني والاتجاه نحو السلطة، مفهوم المواطن بالنسبة لشرعية المؤسسات السياسية... الخ
جـ- التعلم المتصل بالأعداد والتدرب للقيام بأدوار خاصة (وذلك مثل العمل كموظف حكومي أو مشرع ... الخ
3-المدرسة .
بمفهومها الواسع و التي تمتد من دور الحضانة الى الجامعات ومراكز التعليم المهني المختلفة. العوامل التربوية التي تتدخل في العمليات التربوية وتشعبها، من مؤسسات وفاعلين تربويين وبرامج وطرق الى غير ذلك . و تظهر أهمية البرنامج التربوي، كإطار للتنشئة والتربية السياسية و التعليم السياسي الذي من خلاله تصاغ مختلف الأيديولوجيات أو الأيديولوجية السائدة والمعتمدة لتكون المحدد لسلوكات الأفراد والجماعات مستقبلا.
4-التكوين :
يهتم بالجانب المهاري و الفني الذي يتطلبه الدور و يركز على تحديد الهدف من التكوين والوسائل اللازمة التي تسمح بتحقيق الهدف بمميزات مطلوبة ، ويختلف عن التعليم لان هذا الاخير الذي يركز على المعارف و المعلومات و المكتسبات القاعدية التي تسهم في عملية التكوين فيما بعد ,و يتداخل التكوين مع التدريب الذي يعتبر اكثر تخصيصا في المضامين المقدمة للفرد من التكوين و التعليم و التربية . و تظهر العلاقة بين المفاهيم الاربعة في انها كل مفهوم يتضمن الثاني بصورة تدرجية من الخاص الى العام .
المحاضرة الثانية
- التعليـم و مؤشـرات التنمية :
يعتبر التعليم من المؤشرات الأساسية التي يعتمد عليها في معرفة مدى تقدم المجتمعات بالإضافة إلى مؤشرات أخرى وهو ما تشير إليه المنظمات الدولية : ...تضم مؤشرات التنمية البشرية أربعة متغيرات :
♦ العمر المتوقع عند الولادة ليمثل بعد الحياة الطويلة والصحية لأفراد المجتمع
♦ نسبة البالغين فيه الملمين بالقراءة و الكتابة
♦ مجموع نسب الالتحاق بمستويات التعليم الابتدائية والثانوية والجامعية ليمثلا بعد المعرفة
♦ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد ( مقاسا بالدولار الأمريكي ) ليكون مؤشرا بديلا يبين الموارد المطلوبة لمستوى معيشي لائق .
وبالإضافة إلى مؤشرات أخرى متعلقة بالسكان الصحة و والبحث و التطوير و التشغيل وتقانات المعلومات و الاتصال و المشاركة السياسية و الناتج الاقتصادي و غيرها ...
غير انه سنركز على التعليم باعتبار ان لديه التأثير الكبير على مختلف الأنساق الاجتماعية الأخرى وأن ما يعرقل العملية التعليمية و مختلف المشكلات التي يعاني منها النظام التربوي على العموم و في الجزائر على الخصوص يعرقل بالضرورة مختلف مسارات التنمية الأخرى و على مختلف الأنساق الاجتماعية بما أن العلاقة هي علاقة تفاعلية .
إن العلاقة وثيقة وتبادلية من حيث التأثير و التأثر وهو ما تؤكده البحوث في المجال التربوي او في المجال الاقتصادي حيث أن ما تقدمه التربية يتمثل في أنها تساهم في النمو بالنسبة للفرد وخاصة ما تعلق بالشخصية بأبعادها ومن جهة ثانية إدماج هذا الفرد في المجتمع ومن جهة ثالثة تكوين اليد العاملة من مختلف المستويات المهنية بمهارات و كفاءات محددة وهو ما يظهر في أشكال ثلاثة حسب الصادق بكوش : شخصية الفرد و المعارف التي يكتسبها و ما يمكن أن يقوم به في المجتمع .
ويضيف الباحث أن مساهمة التربية في التنمية في أي مجتمع تظهر من خلال الدور الفعال الذي تقوم به في الجانب الاقتصادي والذي يتجلى في أعداد الأفراد التي يقوم النظام التربوي بتكوينها ومنه مخرجات النظام التربوي وكذلك يظهر في صورة المخزون التعليمي أي المستوى التعليمي العام للسكان .
2-أهميـة التعليم في تنمية المجتمــع :
عندما نلاحظ الأهداف الاجتماعية المختلفة للتعليم التي تتمثل في :
مساعدة الأفراد والجماعات على مواجهة مشكلاتهم والمعوقات التي تعترضهم في أداء أدوارهم الاجتماعية ،وغرس القيم الاجتماعية وزيادة الطاقة المنتجة في المجتمع وتخفيف أعباء اجتماعية واقتصادية مستقبلية بالنسبة للمجتمع وتدعيم التكامل الاجتماعي والتضامن والمساهمة في تنمية الموارد البشرية.
هذه الأهداف في جوهرها نجد ان المدرسة تعمل على تحقيقها من خلال مخرجاتها من الكفاءات المتنوعة و الإطارات من مختلف التخصصات والأصناف ،والتي تشكل مدخلات القطاعات الاخرى في المجتمع من خلال موردها البشري.
المحاضرة الثالثة
بعد تناول المفاهيم المختلف المرتبطة بالمقياس كمدخل لابد منه لتحديد المصطلحات المختلفة التي ستعتمد في البرنامج ننتقل الى بعض من التناول التاريخي للتعليم والتربية في الجزائر، من خلال الفترات التاريخية القريبة ؛ حيث ان الرجوع الى التاريخ القديم يحتاج الى عمل كبير،ومستقلا لذا سنبدأ من الفترة العثمانية لأخذ صورة واضحة عن التعليم الاصلي قبل الاستعمار الفرنسي الذي هدم مختلف البنيات الاجتماعية للمجتمع الجزائري
1-التربية والتعليم إبان العهد العثماني:
ان معظم المصادر تشير الى انتشار التعليم و بشكل واسع قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث ان المجتمع الجزائري كان ابعد ما يكون عن الامية في تلك الفترة لا تخلو منطقة او قرية إلا وفيها مكان للتعليم سواء مدرسة او مسجدا او زاوية تقوم بتلقين اللغة العربية و تحفيظ القرآن الكريم و الفقه ؛ الا ان المختصين اتفقوا على عدم وجود سياسة تعليمية واضحة تهتم بشؤون التعليم او هيئة وصية تنظم هذا القطاع و تشرف عليه و تحدد البرامج التعليمية و تسطر الاهداف و تمول التعليم و القائمين عليه وغير ذلك من مقومات السياسة التعليمية وهو ما يشير اليه ابو القاسم سعد الله حول هذه الفترة التاريخية و التعليم فيها في مؤلفه تاريخ الجزائر الثقافي
لقد كانت الدولة العثمانية انذاك لا تبدي اهتماما بالتعليم ،ولا تعرقله فقد تفرغت لشؤون الدفاع، والامن من الهجمات و الاعتداءات الخارجية الصليبية و تحقيق الاستقرار الداخلي من جهة و من حهة اخرى جمع الضرائب .
و بذلك كان دور الدولة حياديا تجاه التربية والتعليم من خلال عدم عرقلة جهود المجتمع في هذا الاطار ،ويمكن ان نحصر التدخل من طرف هذه الاخيرة في التعليمما تعلق بالمبادرات الفردية التي قام بها البايات والتي يمكن تصنيفها ضمن السعي الى اهداف ضيقة تدور حول نيل الشهرة وتخليد العمل لصاحبه من خلال الدعم الموجه لانشاء مؤسسة دينية او تعليمية لهذا الغرض .
2-تمويل التعليم في الفترة العثمانية
ان اي نشاط يحتاج الى تمويل ليضمن استمراريته و ادائه و تغطية مختلف المتطلبات والانفاق على التعليم يتطلب هذا الجانب المادي لتوفير حاجاته و المتمثلة في اجور المعلمين و مختلف الساهرين على التعليم ومتطلبات التلاميذ و الهياكل والوسائل التعليمية و غيرها .
في هذا الصدد نجد دور الوقف في ازدهار التعليم بصفة عامة في المجتمع الجزائري، و ما يشكله هذا الاخير حيث يعتبر كعصب للعملية التعليمية التي تتوقف فعاليتها عليه ، باعتبار ان الوقف كلما كان كافيا ،والقائمون عليه يعملون على تطويره ونموه كان ذلك في صالح المدرسة او المسجد ، او الزوايا و منه في صالح التعليم وازدهاره و توسعه بين شرائح المجتمع ليشمل اكبر عدد ممكن من التلاميذ ، والعكس في حال اهمال الوقف و تراجعه يصبح لا يكفي لسد حاجيات التعليم الذي يتراجع بدوره في المجتمع من حيث اعداد المتمدرسين و جودة التعليم .
فقد كان يحدد في الوقف من خلال وثيقة يحررها القاضي اضافة الى القائم على الوقف الذي يشرف على الوقف يحدد من يستفيد منه من المعلمين و التلاميذ بالعدد ومقدار الاستفادة الى غير ذلك من التفصيل.
لهذا ارتبط التعليم بالوقف و هو ما يفسر انتشار التعليم بين الجزائريين في تلك الفترة، بالإضافة الى ما يقدمه الافراد من صدقات و في الغالب من اولياء التلاميذ والدعم المادي و المعنوي لارتباط التعليم بالدين و الممارسة الدينية الانسان الجزائري.
3-مميزات العملية التعليمية في الفترة العثمانية
لقد وقف الأتراك العثمانيون منذ دخولهم إلى الجزائر بجانب الجزائريين لتقاسمهم الانتماء الى الامة الاسلامية الدين ، إلا أنهم شجعوا التصوف في البلاد، واعتبروا الدين عملية تعبدية صرفة، وهو ما لم يخدم التربية والتعليم في وقت ظهرت فيه المدارس، وكانت لتنتشر انتشارا واسعا لو وجدت التشجيع والمساعدة من المشرفين على سياسة البلاد، وما يميز التعليم في العهد العثماني انتشار للزوايا والكتاتيب والرابطات والمدارس.
3-1- الزوايا :
أدت عملية انتشار الزوايا إلى انتشار الزهد عن الدنيا والانشغال بالآخرة وميل الناس إلى ترديد الأذكار وأشعار المتصوفة عوض الاجتهاد في تحصيل العلم وتدارسه ولقد انتشرت الزوايا في الجزائر انتشارا واسعا إلى درجة لم تخل منطقة من وجود زاوية أو على الأقل وجود أتباع زاوية ومتحمسين لها بين الأهالي .
فكان التعلم عن ترديد القصائد والمدائح الدينية ، والمناسبات الدينية فصار ترديدها ينافس تلاوة القران الكريم، إلى جانب هذا الدور كانت الزوايا تعتبر مكان يقصده المرضى من أجل التبرك والشفاء، وقضاء الحاجات ويعتبرون شيخ الزاوية واسطة بين العبد وربه، من هنا بقيت عادة التوسل بالأولياء حتى بعد موتهم، رغبة في قضاء الحاجات المختلفة.
3-2-الرابطات:
وهي مواقع يرابط فيها المجاهدون للدفاع عن البلاد، لهذا فهي متواجدة على الحدود، وللرابطات وظائف أخرى وهي أنها مراكز للتعلم والتعليم ومساعدة المارين والمسافرين وملجأ لهم عند الضرورة.
3-3-المدارس:
هناك اختلاف بين المؤرخين الذين تحدثوا عن الحياة الثقافية إبان العهد العثماني، في تحديد عدد المدارس التي كانت موجودة في ذلك العهد وخاصة الابتدائية منها، إذ لا يوجد خط فاصل يميز المدرسة عن الكتاتيب والزوايا التي يتعلم فيها الأطفال، والمسجد الذي تقدم فيه دروس للأطفال في أحد حجراته.
ومن أهم التي انتشرت بها المدارس وخاصة الثانوية منها تلمسان قسنطينة والعاصمة ومازونة.
أما من الناحية الإدارية في عهد العثمانيين بالجزائر فلم تكن هناك وزارات مهتمة بالتعليم، كما لم تكن هناك شهادات تمنح للناجحين، وإنما كانت ملاحظات الفقهاء والعلماء، ورضاهم عن التعلم كافية تدل على مستواه.
ولم يشجع العثمانيين التعليم بالجزائر، وخاصة التعليم العالي وبناء المدارس الكبيرة، ولهذا لم يستطيعوا الحد من انتشار العلم الذي كان في الكتاتيب والزوايا والمساجد باعتباره مسؤولية اجتماعية، بل كان الأتراك يتعاطفون مع هذا الاتجاه وساهموا فيه كأفراد بتقديم الصدقات ووقف الأوقاف .
المحاضرة الرابعة
- التعليم في الفترة الاستعمارية .
التعليم الفرنسي و موقف الاهالي منه
لقد رأت الادارة الفرنسية انه من غير الممكن تسيير الامور ،و السيطرة على الوضع بدون الموظفين المسلمين الذين يقومون بالوساطة بين المستعمر والمجتمع الجزائري وهو ما ادى الى بروز التوجه نحو تعليم محدود للجزائريين . حيث كانت البداية بمدارس مشابهة للتي نجدها في فرنسا من حيث البرامج ولغة التدريس والثقافة المدرسية وغير ذلك من مقومات الهوية والثقافة و التاريخ الفرنسي الى غير ذلك.
فشلت هذه المدرسة في جذب الجزائريين للالتحاق بها نظرا للتباين بين الثقافتين والمحتويات الدراسية التي تقدمها للمتعلم مما ادى الى التغيير في الاستراتيجية وفتح مدارس خاصة وبالتالي تعليم خاص موجه للمجتمع يتضمن برامج تعليمية تجمع بين تعليم الفرنسية وتعليم العربية وبعض من التعليم القرآني تحت رقابة مكاتب عربية .
كان الفشل مصير هذه الصيغة الاخيرة كذلك وهذا راجع لارتباطها بالسيطرة الاستعمارية من جهة و محدوديتها من جهة اخرى و موقف الريبة وعدم الثقة في كل ما هو صادر عن المستعمر حتى ولو كان في ظاهره التعليم وحاجة الجزائريين الماسة للتعليم في تلك الفترة التاريخية.حيث بقي التعليم المقبول عند الجزائريين هو التعليم الاصلي الذي كان سائدا قبل دخول الاستعمار ،والذي كان منتشرا بصورة واسعة بين افراد المجتمع ، وهو التعليم الذي تمنحه المؤسسات التربوية و الدينية التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال الفرنسي وهذا ما تؤكده ايفون توران في عدم اقبال الجزائريين الا العدد القليل بالنسبة للجزائر العاصمة وقسنطينة و هذا بين سنتي 1850 و 1858 في مؤلفها المواجهات الثقافية في الجزائر ص 256
يمكن الحديث عن المدرسة الفرنسية في هذه الفترة الى جانب مدارس الجمعية و الحركة الوطنية و التي كانت اكثر تنظيما :
من حيث المستويات الدراسية ( القسم التحضيري و التعليم المكتبي او الابتدائي و القسم المتوسط )
المناهج التعليمية ( الساعات المخصصة للمواد الدراسية هي نفسها لكل طور و كذلك مادة الحساب و طرق التدريس المعتمدة الاهداف التربوية المحددة و هو ما يبينه مصطفى عشوي في كتابه المدرسة الجزائرية الى اين؟
فما نجده في المدرسة الفرنسية هو امتدادا لما هو موجود في فرنسا ومنظومتها التربوية حيث يرى البعض ان التوجيه بدأ في بداية القرن العشرين واتجاهه نحو التوجيه المهني بالاساس فيما يخص المدرسة الفرنسية و ارتباطه بإنتقاء الافراد لوظائف و مهن معينة .
مع سنة (1959/ 1960) بدأت السلطات الفرنسية في تطبيق التوجيه المدرسي بعدما كان مهنيا فقط ، جاء ذلك في اطار مشروع قسنطينة حيث تميزت تلك الفترة بتغيرات اجتماعية و اقتصادية ....أنشأت فرنسا في تلك الفترة تسعة مراكز خاصة بالتوجيه المهني و المدرسي في كل من الجزائر، وهران ، قسنطينة ،عنابة ، سطيف ، سعيدة ،تلمسان ،الشلف، تيزي وزو
المحاضرة الخامسة
دور جمعية العلماء المسلمين في نشر التعليم العربي الحر في الفترة الاستعمارية
لقد عملت الجمعية على مواجهة السياسة الاستعمارية في مجال التعليم و محاورها المتمثلة في الفرنسة و الادماج و التبشير ، و لذلك كانت المحاور التي اعتمدتها في جهودها التربوية تقوم على استعادة الاسلام لمكانته السابقة للاستعمار واصلاح عقيدة الجزائري وما لحقها من شوائب، و كذلك استعادة اللغة العربية التي حوصرت في ديارها ومحاربة الجهل و الامية التي اصبحت متفشية بين الجزائريين .
هذه المحاور تعبر عن سياسة محكمة لاسترجاع مقومات الهوية الوطنية ، والتي خطط المستعمر لتفكيكها بالاعتماد على المدرسة والسياسة التعليمية المنتهجة , رغم التضييق على نشاط الجمعية في مجال نشر التعليم العربي فقد وصل عدد التلاميذ في مؤسساتها التعليمية حوالي 50 الف تلميذ و تلميذة ، رغم محدودية الامكانات إلا انها لقيت اقبالا كبيرا يعكس تعطش المجتمع للتعليم هذا الحق الذي حرم منه لفترة طويلة من طرف المستعمر.
انطلق نشاط الجمعية على يد الامام عبد الحميد ابن باديس من المسجد الاخضر في قسنطينة كان التعليم فيها يهدف الى تربية ابناء و بنات المسلمين الجزائريين من خلال تعليم دينهم و لغتهم و مقومات شخصيتهم الجماعية ،فقد كان يقدم التعليم للكبار عن طريق الوعظ والارشاد والتفسير و هذا في المسجد ، و من جهة اخرى تعليم الصغار في المدارس و الكتاتيب القرآنية . عملت الجمعية على تنظيم التعليم و اساليب و طرق التعليم و البرامج المعتمدة في التدريس و اثرائها والاستفادة من التجارب الاخرى في التعليم .
تبرز اكثر مجهودات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، اذا قورنت بما قام به المستعمر في التعليم من حيث الارقام الخاصة بالتعليم والاحصائيات الخاصة بالتلاميذ والمعلمين المنضوين داخل الجمعية والهياكل المستقبلة للتلاميذ , حيث شيدت جمعية العلماء حوالي 150 مدرسة للتعليم وعدد من المساجد والنوادي . بالمقابل نجد حوالي 625 مدرسة تحت اشراف المستعمر فيها حوالي ثلاثون الف من التلاميذ هذا ما يبين الفارق بين مجهودات جمعية العلماء و مجهودات دولة بحجم المستعمر الفرنسي .
وضعت الادارة الفرنسية التعليم تحت سيطرتها ابتداء من سنة 1892 وذلك من خلال اصدار تراخيص لممارسة التعليم ، و يجبر كل من يقوم بالتعليم الحصول على ترخيص من السلطات الاستعمارية والجهات المختصة وذلك يكون بعد القيام بعدة تحقيقات حول من يقف خلف هذا الطلب حتى يتم السماح له بفتح هذه المدارس مع مراعاة عدة جوانب في ذلك منها الجانب السياسي الذي يمكن ان تلعبه تلك المدارس، ومن جهة ثانية الاخذ بعين الاعتبار تواجد المدارس الفرنسية حتى لا تجذب تلاميذها مدارس الجمعية .
وبذلك فهي لا تشكل منافسا للمدارس الفرنسية التي عرفت بعض التردد في الاقبال عليها من طرف ابناء المجتمع حيث يلزم المرسوم 1892 ان تكون بعيدة عن المدارس الفرنسية بحوالي ثلاثة كيلومتر .
و من ناحية اخرى مراعاة اوقات الدراسة بالنسبة لهذه المدارس، بحيث لا تكون في نفس اوقات الدوام للمدارس القرآنية . هذه الاجراءات الغرض منها محاصرة و مراقبة التعليم العربي الحر الذي كانت تقدمه الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، هذه الاجراءات التضييقية تميزت بها المدن بالدرجة الكبرى و بحده اقل الأرياف.
رغم هذه العراقيل الا ان الارقام تبين المجهودات التي بذلتها الجمعية في تعليم الجزائريين ففي سنة 1938 بلغ عدد المدارس 3148 مدرسة و عدد المعلمين 3189 ، اما عدد التلاميذ فقد وصل في تلك السنة الى 50293 تلميذ و تمثل منطقة قسنطينة اكثر من 24063 تلميذ .
المحاضرة السادسة
وضعية التعليم قبل الاستقلال
ان الارتفاع في اعداد التلاميذ الجزائريين المنتسبين للمؤسسات التعليمية الفرنسية بعد 1945 يرجع بالأساس الى حاجة المستعمر الى الايدي العاملة التي تشكل مدخلات القطاع الاقتصادي، الذي هو بأمس الحاجة الى بعض يد عاملة لديها بعض التأهيل والتعليم في ومن جهة اخرى البحث عن الاستقرار السياسي و توجيه الجزائريين الى تعليم لا يفتح افاقا واسعة لهم بعد التخرج ولا يعمل على تحسين اوضاعهم الاجتماعية اوالحصول على مكانة اجتماعية مثلهم مثل الفرنسيين.
رغم هذا بقي التعليم محدودا فمن بين مليون و نصف طفل في سن التمدرس في سنة 1944 هناك حوالي 108633 تلميذ مسجل في المدارس الفرنسية و هذا ما يبين ضعف نسبة التمدرس بين الجزائريين في هذة الفترة .
اما في سنة 1962 اي قبيل الاستقلال فقد وصلت نسبة التلاميذ المسجلين في المدارس الابتدائية الفرنسية من الجزائريين حوالي 30٪ ، اما التعليم الثانوي حوالي 25 ٪ من الجزائريين من مجموع المسجلين في التعليم الثانوي ، اما التعليم العالي 18٪ من الطلبة المسجلين في الجامعة كانوا من اصول جزائرية و هذا بحسب بعض المصادر الفرنسية.
رغم التغير الذي عرفته الارقام الخاصة بالمسجلين مع الارقام السابقة إلا ان النسبة مازالت ضعيفة مقارنة مع عدد الجزائريين الذين هم في سن التمدرس وهم خارج المدرسة و الاعداد الكبيرة التي تمثلها هذه الشريحة من المجتمع .
المحاضرة السابعة
1-التعليم في الفترة ما بعد الاستقلال
شهدت هذه الفترة العديد من التغيرات في المجتمع الجزائري على جميع الاصعدة وعرفت مراحل كبرى في ما يخص التوجهات العامة للدولة ( السياسية و الايديولوجية والاقتصادية و التربوية ) وقد تميزت المنظومة التربوية في هذه الفترة بوتيرة سريعة في التغير سواء من حيث الجانب الكمي او الاعداد الكبيرة من المتمدرسين و نسبة الزيادة من سنة دراسية الى اخرى ؛ او من حيث العامل البشري الذي يشرف على العملية التربوية من معلمين و اساتذة او الهياكل المدرسية الي تستقبل هذه الاعداد:
(44,6٪ نسبة التمدرس بالنسبة للاطفال في سن 6 سنوات وذلك في السنة الدراسية (1967 -1968 )
49,9 ٪ بالنسبة للفئة العمرية ( 6 سنوات – 13 ستة )
اما في السنة الدراسية (1977- 1978) فقد بلغت نسبة التمدرس عند نفس الفئات العمرية على التوالي : ٪78.0 و 76,8٪
2- التعليم من الاستقلال الى 1976
ان ما ميز هذه المرحلة هو السعي لتلبية احتياجات المجتمع من التعليم بعد حقبة طويلة من الحرمان و الاقصاء من المدرسة و التعليم ،ففي في اول دخول مدرسي التحق ما يفوق 777000 تلميذ بصفوف الدراسة ،وهو عدد هائل مقارنة مع امكانات الدولة الحديثة الاستقلال مع الهياكل المحدودة التي تتوفر والتأطير المنعدم فإن الاولوية تكون للتعامل مع هذا الضغط والتراكمات التاريخية و المخلفات التي مست مختلف اركان العملية التعليمية .لقد كانت التركة الاستعمارية ثقيلة في مجال التعليم و مجالات اخرى ،حيث انتشار الامية لاكثر من 90٪ من الجزائريين بالإضافة الى العدد الهائل من الاطفال الذين هم في سن التمدرس.
تشير بعض المصادر الى وجود 3000 ابتدائية عبر التراب الجزائري خلفها الاستعمار وحوالى 34 ثانوية للتعليم العام و 6 ثانويات للتعليم التقني و كانت هذه الهياكل موجهة بالدرجة الاولى للأوربيين سابقا و هي لا تكفي وغير قادرة على استيعاب اكثر من مليون طفل في سن التمدرس بعد الاستقلال .
رغم هذه المعطيات فقد تم التعامل مع الوضع بصورة عقلانية من اجل انجاح الدخول المدرسي الاول ،وذلك من خلال استغلال الهياكل المتاحة لأقصى وقت ممكن ،واللجوء الى التعاون مع الدول الشقيقة و الدول الصديقة ، و كذلك اللجوء الى التوظيف في سلك التعليم بشروط مبسطة في بعض الاحيان معرفة القراءة و الكتابة كافية للالتحاق بالتعليم .
3-المدرسة الاساسية
لقد كانت سنوات السبعينات عبارة عن فترة الاصلاحات الكبرى في الكثير من المجالات وفي المجال التربوي ، فبعد تلك الاصلاحات التي شملت التعليم العالي في 1971 كان التوجه نحو التعليم الابتدائي و المتوسط ،والتأسيس للمدرسة الاساسية او المدرسة الجزائرية من خلال التعليم الاساسي ،والتي اخذت صفة المدرسة التقنية والاجبارية .
البداية كانت بتطبيقها في بعض المدارس النموذجية في بعض الولايات و تعميمها عبر كامل التراب الوطني، كل هذا استجابة للتغيرات التي عرفها المجتمع واستجابة لمتطلبات المجتمع والمرحلة التي تمر بها البلاد ،من خلال الرفع من سنوات التعليم الالزامي الى 9 سنوات اجبارية للتلميذ و الطفل الجزائري ،ومنه الرفع من مستوى التعليم بين السكان بصفة عامة،وتقديم تعليم موحد لكل الجزائريين و باللغة العربية كوظيفة توحيدية و اساسية للمدرسة وينتهي المسار التعليمي بشهادة التعليم الاساسي، تسمح بمواصلة التعليم الثانوي ،او التوجه الى الحياة العملية او التكوين المهني بعد التعليم الالزامي من خلال المعارف التي اكتسبها في هذه المرحلة .
ينقسم التعليم الاساسي الى ثلاثة اطوار :
الطور الاول من 6 سنوات الى 9 سنوات اي من السنة ( الاولى اساسي الى الثالثة اساسي ) او الطور القاعدي والذي من خلاله يتلقى التلميذ المبادئ القاعدية الاساسية من القراءة و الكتابة وتعلم اللغة العربية والحساب ، بالإضافة الى التربية الاسلامية و الفنية و البدنية وغيرها من المكتسبات القاعدية و الاساسية .
الطور الثاني من( 9 سنوات الى 12 سنة ) اي من (4 اساسي الى 6 اساسي ) وهو الطور الاستكشافي بالنسبة للمتعلم ومن اهدافه ربط التلميذ بمحيطه من خلال تدريسه مواد العلوم الطبيعية والتاريخ و الجغرافيا ،والرسم التقني و اللغة الاجنبية الاولي اي الفرنسية و هو ما يجعله يستكشف المحيط الاجتماعي و الطبيعي الذي يعيش فيه هذا الاخير .
الطور الثالث يتراوح سن الطفل بين( 12 سنة الى 15 سنة ) اي : ( من 7 اساسي الى 9 اساسي ) و هو الطور التوجيهي وفيه يلقن التلميذ مبادئ في العلوم الفيزيائية، والتكنولوجية مع ادخال اللغة الاجنبية الثانية وهي الانجليزية بالاعتماد على المعارف ،والمكتسبات في الطورين السابقين والتي ضمنها الطورين الثاني و الطور الاول الابتدائية او المرحلة سابقا.
توحيد التعليم و اجبارية التعليم و الانتقال من تعليم اللغات الى لغة التعليم الموحدة هي الميزة الاساسية التي نجدها في هذه الاصلاحات واضفاء الطابع المؤسساتي و الهوية الوطنية وغيرها من الاضافا ت و الاستدراكات التي ادخلت في المجال التربوي.
هذا ما نجده في النظريات السوسيولوجية التربوية والوظيفة التوحيدية للمدرسة قبل الاعداد للحياة المهنية ، كما نجد تحديد و تجديد البرامج الدراسية والمناهج التعليمية وطرق التدريس، مما ادي الى الرفع من الاداء والوصول الى قدر معين من المعارف التي يكتسبها التلميذ في هذه المرحلة تؤهله الانتقال الى التعليم الثانوي او الدخول الى مجال العمل اوالدخول الى مؤسسات التكوين المهني.
يظهر توحيد التعليم الابتدائي و التعليم المتوسط في هذه الاصلاحات والانتقال الى التعليم الاساسي نوع من الربط بين التعليمين و الدمج بين شقين من التعليم بالرجوع الى البرامج الدراسية او المناهج الدراسية التي تسمح بتكوين الرجل الجيد و الجديد من خلال تشكيل الشخصية الفردية والوطنية انطلاقا من التعليم الاساسي القاعدي و الموحد و التقني ، وهو ما ينسجم مع الخيارات العامة للسياسة التعليمية من التعريب والتوجه العلمي و التقني و ديموقراطية التعليم ، و ينسجم كذلك مع السياسة العامة للبلاد التي ترمي الى نشر التعليم بين الجزائريين من جهة وتهيئة الايدي العاملة المكونة والماهرة التي يتطلبها التوجه العام نحو التصنيع و الثورات المعلنة في السياسة العامة للبلاد و التي تشمل الصناعة و الفلاحة والثقافة.
الاطار العام للتعليم في الامرية 35⁄ 76
عملت الأمرية 76/35 على إرساء بعض المبادئ الأساسية وأنماط التنظيم والتسيير والتي مازالت صالحة الى اليوم ، إلا أن هذا القانون التوجيهي الذي جاء لمواكبة هذا التطور المذهل يتميز عن الأمرية بالمستجدات الآتية :
ـ حصر مجاله في قطاع التربية التحضيرية والتعليم الأساسي والثانوي
ـ تكييف النظام التربوي مع التحولات المنجرة عن اقتصاد السوق في مجتمع
ديمقراطي
ـ إمكانية الأشخاص الطبيعيين من فتح مؤسسات خاصة للتربية والتعليم
ـ إدراج تعليم اللغة الأمازيغية
ـ أدراج تعليم المعلوماتية في مجمل مؤسسات التعليم والتكوين
ـ الطابع الإلزامي لتعليم الرياضة في مختلف المستويات
ـ انشاء مجلس وطني للمناهج كهيئة علمية بيداغوجية مستقلة .
ـ صياغة حقوق وواجبات : التلاميذ والمدرسين والمديرين
معاقبة الأشخاص المخالفين للتعليم الإجباري ( من6الى16)
ـ تحديد إطار قانوني عام للوتائر المدرسية
ـ تنظيم التعليم الأساسي الإجباري 9 سنوات (ابتدائ5والمتوسط4)
ـ تنظيم مرحلة مابعد الإلزامي :
شعب التعليم الثانوي العام وتخصصات التكوين والتعليم المهنين
ـ إلحاق التكوين الأولي للمدرسين في كل المستويات بمؤسسات متخصصة
ـ إعادة تثمين القانون الخاص لوظيفة التدريس في جوانبه المختلفة
ـ إلغاء احتكار الدولة للكتاب المدرسي
ـ إنشاء مرصد وطني للتربية والتكوين.
يرى البعض ان الاهتمام بالتوجيه في التعليم مرتبط بالتوجه الاقتصادي الموجه اي التوجة نحو الاقتصاد الاشتراكي فالاهتمام لم يكن منصبا الا على انتقاء الافراد و توزيعهم على المؤسسات التربوية وكانت المؤسسات الاقتصادية بمختلف انواعها تتكفل بعد عملية التكوين بإمتصاص الدفعات المتتالية من المتخرجين، ثم بدأنا نلمس تحولا لا يزال محتشما يريد ان يجعل من عملية التوجيه عملية فعالة تسعى الى مساعدة كل فرد على استغلال قدراته الى اقصى .
المحاضرة الثامنة
1- السياسة التعليمية بعد الاستقلال
ان الظروف السابقة و مخلفات الفترة الاستعمارية ادت الى اعتماد سياسة تعليمية معالجة لمخلفات الحقبة الاستعمارية ،و تختلف الاثار المترتبة عن السياسة التعليمية الاستعمارية على مستوى المجتمع الجزائري,و من هذه الاثار المجتمعية التي ترتبت على ممارسات المستعمر الامية المنتشرة بين الجزائريين ، وهذا ما تطلب من القائمين على المجال التربوي بعد الاستقلال اعتماد محور ديموقراطية التعليم من خلال اتاحة الفرص لكل الاطفال الذين هم في سن التمدرس الالتحاق بالمدارس الوطنية ،و ذلك بصفة ديموقراطية و عادلة و اجبارية و مجانية.و منه اللجوء الى التعليم الجماهيري و الذي ينسجم مع التوجهات الثورية للدولة و من افرازات الو حتميات الثورة الشعبية ضد المستعمر.
كل هذا يمثل استجابة للطلب الكبير على التعليم جراء سنوات طويلة من الاستعمار والذي حرم الجزائريين من ابسط حقوقهم و المتمثل في التعليم,و اعتبار التعليم حاجة شعبية و وطنية وحتمية و من نواتج الثورة الشعبية التي انبثقت من المجتمع الجزائري .
و من جهة اخرى نجد محور التعريب الذي شكل جانبا مهما في السياسة التعليمية بعد الاستقلال و ذلك بالعمل على استرجاع اللغة العربية مكانتها في المجتمع و المدرسة تجاوز الغربة التي عاشتها في الفترة الاستعمارية بتغييبها ، او جعلها لغة اجنبية في عقر دارها .
كل ذلك بالعمل على زيادة الحجم الساعي في تدريسها اولا وهذا الذي تم بعد الاستقلال مباشرة ، ثم تعريب السنوات الاولي من التعليم الابتدائي ثم التوجه الى جعلها لغة التعليم في المدرسة الاساسية او المدرسة الجزائرية عبر مختلف مراحل التعليم والاطوار الدراسية رغم التحديات الكبيرة التي اعترضت هذه المجهودات المبذولة من جهة ،و النقاشات التي دارت بين النخب و الاطراف المشكلة لها وصانع القرار السياسي التربوي،و التوجهات التربوية المتنوعة المشارب والايديولوجيات المتجاذبة، و التي تراوحت بين حماسة التعريب الفوري والمتسرع لكل الاطوار الدراسية و المواد المدرسة من جهة،و من جهة اخرى الاحتفاظ باللغة الفرنسية ومكانتها في المدرسة الجزائرية والتدريس بها كلغة متطورة و مواكبة للتطور العلمي و التكنولوجي والاستفادة منها في هذا المجال و اعتبارها غنيمة حرب .
نجد الطرف الثالث الذي يرى في التعريب التدريجي طريقة عقلانية في التعامل مع هذه القضية والسير بخطوات ثابتة و موثوقة لنجاح عملية التعريب . لقد بقي هذا المحور في السياسة التعليمية تتجاذبه الاطراف الثلاثة التي تمثل توجهات مختلفة في الاسلوب الاصلاحي و الطريقة الاصلاحية رغم وحدة الهدف الذي كان بارزا و هو التعريب.
اما المحور الثالث لهذه السياسة التعليمية فكان جزأرة التعليم وهو الاتجاه الذي كان يرمي بالدرجة الاولى الى خلق مدرسة جزائرية متميزة ،ومتخلصة من التبعية للمدرسة الاستعمارية بكل مظاهرها وهذا من خلال الاعتماد على برامج تعليمية مناسبة و مناهج تحمل الخاصية الجزائرية ، و طرق تعليمية خاصة بالمدرسة الجزائرية من اشراف و انجاز اطارات جزائرية, و هذا لا يعني عدم الاستفادة من التجارب التربوية للدول الاخرى و الرائدة في مجال التربية ؛ و انما العمل على ان يكون التعليم جزائريا في برامجه وتوجهاته من خلال ربط المدرسة بالثقافة و المحيط الاجتماعي .
2-اصلاح التعليم العالي
ان السياسة العامة المعتمدة بعد الاستقلال خاصة في المجال الاقتصادي و التوجه العام نحو التصنيع الذي ادى الى الحاجة الى التكنولوجيات المتقدمة في التنمية كمعارف وتقنيات من جهة ،ومن جهة اخرى الحاجة الى كم كبير من الكفاءات و الاطارات المختلفة من حيث المستوى و التخصصات،و باعتبار المورد البشري من اهم عوامل الاصلاح و التنمية في المجتمع ،والذي يعتبر من مخرجات المؤسسة التربوية اي المدرسة عموما و الجامعة على الخصوص حيث مخرجاتها هي مدخلات القطاع الصناعي و مختلف القطاعات الاخرى .
هذه الوضعية فرضت على النظام التربوي و التعليم العالي على الخصوص مسايرة هذه التوجهات الخاصة بالسياسة العامة للدولة والعمل على توفير هذه الكفاءات من حيث الكم والكيف و الزيادة في اعداد المتخرجين من الجامعة و تنويع التخصصات المفتوحة في التعليم العالي و التناسق مع التعليم الاساسي الذي سيشهد بدوره اصلاحات بتوجهات علمية و تقنية توفر القاعدة الصلبة التي يقوم عليها التعليم العالي.
قدرت بعض المصادر احتياجات وزارة الصناعة و وزارة الطاقة لوحدهما في المخطط الرباعي (70-73) الى24000 اطار سامي و التقديرات الخاصة لسنة 1980 من الاطارات المختلفة حوالي 13690 مهندس و اطار سام ،وحوالي 44000 من الاطارات التنفيذية من تقنيين سامين وتقنيين .
هذه الوضعية الصعبة و الاحتياجات الكبيرة للقطاعات ادت الى فتح المعاهد المتخصصة المطلوبة و الجامعات التكنولوجية ،واعتماد نظام الوحدات السداسية و السنوية من اجل الاسراع في تخريج هذه الموارد البشرية كهدف رئيس، رغم هذه المجهودات والإصلاحات بقيت غير كافية مما ادى ببعض المؤسسات الاقتصادية الى التوجه نحو انشاء مؤسسات التكوين الخاصة بها من اجل تلبية احتياجاتها من الكفاءات، كما تم فتح جامعات متخصصة في المجال التكنولوجي مثل باب الزوار 1973 ثم جامعة العلوم و التكنولوجيا في وهران 1976 و هذا ما ادى الى تأكيد التوجه العلمي و التكنولوجي للمنظومة التربوية .
اما ما يخص التعريب في التعليم العالي فقد تم الاعتماد على اللغة الفرنسية في التعليم التقني الجامعي و ما تعلق بالفروع العلمية و التقنية، ومنه التوجه نحو الثنائية في لغة التعليم في التعليم العالي. يتم بموجب هذا التوجه في نوع من التوزيع اللغوي و المجالي ،يتم بموجبه تدريس الفروع الادبية والاجتماعية والثقافية والدينية باللغة العربية ،وتدريس الفروع العلمية و التكنولوجية والطبية و غيرها يتم تدريسها باللغة الفرنسية .
في الغالب يتم توجيه التلاميذ المتفوقين الى الشعب العلمية وهو ما يسمح لهم بعد النجاح اتمام دراساتهم الجامعية في الفروع العلمية و التقنية و باللغة الفرنسية .وبالموازاة يوجه التلاميذ ذوي المستوى الادنى الى الشعب الادبية و الاجتماعية ومزاولة التكوين باللغة العربية و التوجه نحو القطاعات الثقافية و الاجتماعية، هذا من حيث التعريب و الذي تم تعريب الفروع الادبية وبصورة كاملة في السنة الجامعية (85-86 ) و كذا بالنسبة للعلوم الاجتماعية و القانونية و كذا العلوم الاقتصادية .
لقد كانت الجامعة الجزائرية تابعة للجامعة الفرنسية في مختلف تفاصيلها بعد الاستقلال باستثناء محاولة ادخال اللغة العربية في التعليم الجامعي ،وقد كان اللجوء الى الاصلاحات والتأسيس لجامعة جزائرية اصيلة على علاقة بمحيطها بعدما فشلت الجامعة الفرنسية في محيطها مباشرة حيث بفضل اصلاح هذه الاخيرة في عقر دارها فقد تم اللجوء الى الاصلاح الجامعي بالنسبة للجامعة الجزائرية بعد ثلاث سنوات من الاصلاح الجامعي في فرنسا.
المحاضرة التاسعة
1- مراحل الإصلاح التربوي:
على البحث التربوي أن يكون منهجيا، لأن العوامل مترابطة ومتشابكة، لهذا يجب البحث في كل جانب على حدة، والتوقف عند كل نقطة لمعالجة النقائص، والتدخل لانجاز التغيير الضروري والتعرف على نتائج التغيير، قبل الانتقال إلى الخطوة اللاحقة، من هذه الخطوات نجد:
-البحث عن أثر المحيط العام للمدرسة، فنقص الهياكل ونقص الوسائل والإمكانيات وعدم توفير الوسائل الضرورية للعملية التعليمية، كلها عوامل مؤثرة على أداء المدرسة، و بالتالي يشمل الجهد والمال.
-البحث في المشاكل الاجتماعية للتلاميذ.
-البحث عن مدى توفر المربين ومدى تحفزهم للعمل: وهذا يشمل مراعاة كل الجوانب المهنية والاجتماعية...والنفسية التي تؤثر على إنجاح العملية التربوية..
-البحث عن مدى كفاءة المربين وطرق التدريس.
البحث عن مدى سلامة المناهج الدراسية.
-التأكد من أساليب التقويم
-توفير الكتب والوسائل العصرية في التدريس.
-البحث عن أسباب الصعوبات التربوية للتلاميذ.
2-المدرسة و اهم قضايا الاصلاح
ان المتمعن في النقد الموجه الى المدرسة ، يرى ان جانب كبير يعود الى خلفيات يمكن ان تكون ذات طابع ايديولوجي ، و ذلك لان منتوجها لا يرضي الجميع او على الاقل التيارات المعروفة بمواقفها من المدرسة و الاصلاح التربوي و ما تنتظره من هذه المؤسسة.
فنجد من يرى ان المدرسة الجزائرية منكوبة و تحتاج الى اعادة البناء من جديد ،وهناك من يرى انها مريضة و تحتاج الى علاج لبعض المشاكل وتثمين المنجزات وتقويم ما يمكن تقويمه والإبقاء على المكتسبات التي تحققت. وبذاك نكون امام تباين في تشخيص الوضعية التي وصلت اليها المنظومة التربوية ،وفي الغالب يرجع ذلك الى الخلفيات المنطلق منها والتي لا تسمح بالتشخيص الموضوعي و العلمي للمنظومة التربوية و الذي بدوره يسمح بالتدخل في مكامن النقص و تداركها و تدعيم المكتسبات .
ان اي نظام تربوي لابد له من اصلاحات دورية لمسايرة التغيرات المجتمعية المختلفة ومواكبتها لتحقيق الاهداف المتنوعة المرتبطة بمختلف القطاعات ، و مع ذلك فهناك مشكلات تربوية مطروحة في كل مناسبة تسمح بوضع مشروع للإصلاح من اجل معالجة هذه المشكلات بعيدا عن الطرح السياسوي والإيديولوجي ،وهوما نجده في اغلب المجتمعات المتقدمة والتي تعتمد على النظام التعليمي في تقدمها من خلال اعطاء كل الامكانيات للقطاع التعليمي واللجوء الى اصلاحات دورية على ضوء الاهداف المجتمعية الحيوية و الغير جامدة. حيث تظهر المحاور الكبرى للإصلاح في اي منظومة تربوية لابد من الرجوع اليها لمسايرة المستجدات على ضوء النظريات التربوية وما توصلت اليه.
2-1 المناهج و طرق التدريس
تعتبر طريقة التدريس من اهم المحاور التي ركز عليها النقد الموجه للمدرسة الجزائرية وذلك لما يميز منتوج المدرسة او مخرجات هذه الاخيرة و خاصة غياب النقد بالنسبة للتلميذ والذي يرجعه البعض من المختصين الى الطريقة المعتمدة في التدريس ،و التي تبعث على النمطية في العملية التربوية عموما سواء بالنسبة للمعلم من خلال بطاقة المعلم ،والتي تحدد له مختلف التفاصيل التي يلقنها للتلميذ من معلومات و اشارات و حركات ،تجعل من هذا الاخير موظفا يطبق هذه التعليمات المحددة من قبل ،وعدم الخروج عن الاطار المحدد له.
ينطبق كذلك هذا الطرح على التلميذ ،وذلك بالاستجابة لمختلف ما يصدر عن المعلم من مثيرات بالمعنى السيكولوجي، مما يجعل هذه العملية التعليمية تفتقد التحليل و النقد عند اطراف العملية التعليمية ،وهو ما تطرحه المختصة في علوم التربية مليكة بودالية قريفو في كتابها المدرسة الجزائرية من ابن باديس الى بافلوف ،و تركيزها على الاساس النظري التربوي للطريقة التعليمية المعتمدة في المدرسة الجزائرية.
هذا النقد و التأويل يظهر من العنوان الذي نجده في الكتاب في رمزية الى النظرية التربوية ونقد الاعتماد على الطريقة البافلوفية، والنظرية السلوكية في التعليم والتي تراها بالية ،والاعتماد على هذه الطريقة و على هذه النظرية السلوكية في المدرسة الجزائرية يؤدي الى النتائج المشار اليها سابقا ،من خلال التفاعل بين المعلم و التلميذ وفق مبدأ المثير و الاستجابة ،و تحديد المثير والاستجابة مسبقا بصورة موحدة تبعد الاختلاف والتنوع في المثير من جهة المعلم والاختلاف و التنوع في الاستجابة من جهة المتعلم .
2-2 تدريس اللغات الاجنبية و لغة التدريس
ان تدريس اللغات الاجنبية من المحاور المهمة والحساسة في الاصلاح و في المنظومة التربوية ، و ذلك لارتباطه بالجانب السياسي و الايديولوجي الذي يحاول التأثير في الملف في كل مناسبة اصلاحية ، وارتباطه بالتعريب بصورة مباشرة او غير مباشرة. هذا ما يجعل المعالجة البيداغوجية و الموضوعية و العلمية للملف اللغوي بعيدة المنال.
في هذا الصدد يمكن ان نطرح العديد من التساؤلات حول هذا المشكل في كل طرح اصلاحي للمنظومة التربوية حول تدريس اللغات الاجنبية :
ماهي اللغة الاجنبية الاولى و الثانية التي يمكن اعتمادها في المدرسة الجزائرية؟
ما هي السنة التي يمكن ان نبدأ فيها تدريس اللغة الاجنبية الاولى و كذا تدريس اللغة الاجنبية الثانية ؟ و في اي طور دراسي ؟
و ما موقع كل من اللغة الامازيغية و العربية من كل ذلك ؟
الى غير ذلك من الاسئلة التي تطرح في هذا المجال ، حيث نجد من يطرح هذه الانشغالات الاصلاحية التربوية في اطار أوسع، وهو محاولة الاجابة عن طبيعة المشروع المجتمعي الذي نريده لمجتمعنا ، و الخيارات السابقة هي على علاقة كبيرة بالجانب الايديولوجي و الهوية بالإضافة الى الجوانب الاخرى السياسية و الاقتصادية .
2-3 احتكار الدولة للتعليم
هذا المحور من الاصلاح يطرح بقوة خاصة بعد التوجهات السياسية و الاقتصادية الجديدة والعدول عن التوجه الاشتراكي ضمن السياسة العامة ،ومنه التوجه نحو فتح القطاع التربوي امام الخواص من اجل المساهمة في المجال التربوي كقطاع استراتيجي يحتاج الى مخصصات مالية كبيرة ونسبة معتبرة من ميزانية الدولة ،ومنه التخفيف من الانفاق التربوي بالنسبة للدولة و ما يمثله من ميزانيتها
رغم ان المدارس الخاصة ظهرت للوجود في بداية التسعينات الا انها لم تمارس نشاطها بطريقة قانونية الا بعد صدور الجانب التشريعي الخاص بها والذي تأخر قليلا ولم يساير الواقع الميداني لهذا النشاط التربوي . يحدد الجانب التشريعي مختلف الاطر ودفتر الشروط الذي تفرضه الوصاية من خلال الالتزام بالمناهج التربوية الوطنية التي نجدها في المدرسة العمومية من اجل صيانة الهوية الجماعية و ترصين الوحدة الوطنية و ذلك لحساسية المجال التربوي بالنسبة لكل دولة
اذا كانت المدارس الخاصة بالتكوين المهني تتضاعف ابتداء من التسعينات مثله مثل قطاع التكفل بالطفولة ،ودور الحضانة التي تتكفل بهذه الشريحة العمرية ؛ الا ان المستويات الاخرى للتعليم من ابتدائي و متوسط و ثانوي و التعليم العالي فان الضغوط تصبح اكثر مع التدرج في مستويات التعليم.
رغم التوجه نحو فتح التعليم على القطاع الخاص لتقديم المساهمة في هذا القطاع وتخفيف تكلفة التعليم بالنسبة للإنفاق العام للدولة خاصة بالنسبة للطور الابتدائي و المتوسط والثانوي الا ان النسبة لازالت بسيطة و المساهمة محدودة، و مستوى الاضافة من قبل القطاع الخاص جد ضعيفة .
اما بالنسبة للتعليم العالي فإن النقاش مازال يدور حول المشاريع المقدمة في هذا الاطار والتي تدور حول انشاء جامعات خاصة الى يومنا هذا لم يتم الفصل في هذا الموضوع الذي تتجاذبه العديد من الاطراف لاعتماده او المواصلة على النهج السابق .
من التشريعات التي نظمت التعليم وفقا للتوجهات الجديدة و الانفتاح السياسي والاقتصادي القانون التوجيهي للتربية الوطنية رقم 08-04 المؤرخ في 23 جانفي 2008 ، و الذي يحدد اسس المدرسة الجزائرية و مهامها و غاياتها ، و مختلف المبادئ الاساسية التي تقوم عليها المدرسة . بالاضافة الى الجانب التنظيمي والهيكلي و مختلف المستويات و التخصصات التي تتضمنها المدرسة الجزائرية ، وما تعلق بمؤسسات التربية و التعليم من اطر منظمة لها وتشريعات خاصة بضبط العمل التربوي داخل هذه المؤسسات .و هو ما نجده في القانون التوجيهي 2008 والاضافات التي يقدمها و الفلسفة التي يرتكز عليها في التعليم ، من ناحية الهيكلة والاهداف التربوية مقارنة بما سبق :
عملت الأمرية 76/35على إرساء بعض المبادئ الأساسية وأنماط التنظيم والتسيير والتي مازالت صالحة الى اليوم ، إلا أن هذا القانون التوجيهي الذي جاء لمواكبة هذا التطور المذهل يتميز عن الأمرية بالمستجدات الآتية :
◄ حصر مجاله في قطاع التربية التحضيرية والتعليم الأساسي والثانوي
◄تكييف النظام التربوي مع التحولات المنجرة عن اقتصاد السوق في مجتمع ديموقراطي
◄ إمكانية الأشخاص الطبيعيين من فتح مؤسسات خاصة للتربية والتعليم
◄ إدراج تعليم اللغة الأمازيغية
◄ أدراج تعليم المعلوماتية في مجمل مؤسسات التعليم والتكوين
◄ الطابع الإلزامي لتعليم الرياضة في مختلف المستويات
◄ انشاء مجلس وطني للمناهج كهيئة علمية بيداغوجية مستقلة .
◄ صياغة حقوق وواجبات : التلاميذ والمدرسين والمديرين
◄ معاقبة الأشخاص المخالفين للتعليم الإجباري ( من6الى16)
◄ تحديد إطار قانوني عام للوتائر المدرسية
◄ تنظيم التعليم الأساسي الإجباري 9 سنوات ( ابتدائي 5والمتوسط4)
◄ تنظيم مرحلة ما بعد الإلزامي
شعب التعليم الثانوي العام وتخصصات التكوين والتعليم المهنين
◄ إلحاق التكوين الأولي للمدرسين في كل المستويات بمؤسسات متخصصة
◄إعادة تثمين القانون الخاص لوظيفة التدريس في جوانبه المختلفة
◄ إلغاء احتكار الدولة للكتاب المدرسي
◄ إنشاء مرصد وطني للتربية والتكوين.
المحاضرة العاشرة
التسرب المدرسي في المدرسة الجزائرية
1-تعريف التسرب المدرسي
يعرف التسرب المدرسي على انه مغادرة التلاميذ للمدرسة قبل الاوان ، اي قبل اتمام مرحلة التعليمية بنجاح ، وهو التحديد الذي يمكن اعتماده مقارنة مع التحديدات التي فتحت المجال الى اكثر من ذلك .و يذهب البعض الى انه عبارة عن انقطاع التلاميذ عن المدرسة انقطاعا جزئيا او تاما ،ماديا او معنويا ، بالشكل الذي لا يستطيع معه التلاميذ المتسربين ان يتموا دراستهم بنجاح محققين الاهداف المنوطة بالتعلم .و هو تحديد واسع من حيث العديد من الابعاد الخاصة بالمتغيرات المطروحة.
2-التسرب المدرســـي :
يعتبر التسرب من المدرسة ظاهرة اجتماعية أصبح يعاني منها المجتمع الجزائري والنظام التربوي الجزائري. فبالنسبة للأول أي المجتمع فالمعاناة و المشكلات الاجتماعية تظهر في العواقب الناجمة عن التسرب المدرسي الذي قد يؤدي إلى ظواهر اجتماعية أخرى كالعودة إلى الأمية في حالة التسرب المدرسي في المستويات التعليمية الدنيا و خاصة المرحلة الابتدائية ،أو الانحراف الاجتماعي و السلوكات التي تخرج عن الأطر التي يحددها المجتمع بواسطة مؤسسات التنشئة الاجتماعية ،او عمالة الأطفال الى غير ذلك من الظواهر الأخرى التي تؤثر في المجتمع بصورة سلبية و تعرقل عملية التنمية فيه .
أما في المستوى الثاني أي ضمن المدرسة فانه يبين لنا الفعالية و المردودية الداخلية والخارجية للمدرسة من خلال تكلفة التعليم و الارتفاع الذي تعرفه هذه التكلفة جراء الاهدار المدرسي و الانفاق الذي لا يترتب عليه العائد نتيجة التسرب، و مدى تناسق و توفير ما تحتاج إليه مختلف القطاعات الاجتماعية من كفاءات و مهارات بمواصفات معينة التي تعتبر من مخرجات هذه المؤسسة الاجتماعية .
من هذا تظهر العلاقة بين التسرب المدرسي كمعرقل لتحقيق أهداف التعليم من ناحية وبالتالي أهداف المدرسة في المجتمع من ناحية اخرى والمتمثلة في تحقيق التنمية الشاملة من خلال العامل البشري. حيث ان عملية الاهدار المدرسي التي تنتج عن ذلك هي عبارة عن كفاءات مستقبيلة لم يتم تحصيلها لتساهم في مسارات التنمية .
إن تزايد التلاميذ الذين يخرجون من المدرسة و على الخصوص عند الانتقال من طور دراسي إلى طور دراسي آخر أصبح يشكل ظاهرة بارزة و مقلقة .مما يحمل مؤشرات فشل وضعف في مردودية هذه المؤسسة التربوية . فتشير بعض الدراسات من خلال إحصاءات ترجع إلى المركز الوطني للدراسات التطبيقية من اجل التنمية ( CREAD ) في 2006 أن حوالي نصف مليون تلميذ يتسربون من مختلف الأطوار الدراسية سنويا.
يضيف نفس المصدر انه بين سنتي 1999 و 2003 حوالي2.2 مليون متسرب من مختلف الاطوار الدراسية ،أما حسب الأطوار الدراسية فان الأرقام تشير إلى أنه في الطور الابتدائي بلغ عدد المتسربين 84816 متسرب ،و فيما يخص الطور المتوسط يقارب 225692 متسرب والعدد 140776 في الطور الثانوي ، وهو ما مجموعه 451284 تلميذ غادر المدرسة و هذه المعطيات حسب الاطوار الثلاثة تخص السنة الدراسية 2000/2001.
كما يشير حاكمي بوحفص في المداخلة المعنونة بالمنظومة التربوية و سوق العمل والمقدمة في المؤتمر الثاني لتخطيط و تنمية التعليم في البلدان العربية المنعقد في المملكة العربية السعودية جامعة الملك فهد الى أن : حوالي 91٪ من التلاميذ يتسربون من المدرسة قبل البكالوريا و 5 ٪ يحصلون على شهادة جامعية . و 550000 تلميذ يتسربون سنويا من المدرسة،و 95٪ يتسربون من المرحلة الابتدائية حتى بداية المرحلة الجامعية ويقدر عدد الداخلين لسوق العمل حوالي 250000 متخرج .
هذه الأرقام تبين مدى استفحال الظاهرة و طرح التساؤلات حول قدرة مختلف المؤسسات الاجتماعية على التكفل بهذه الأعداد الضخمة ،مثل مؤسسات التكوين المهني المحدودة من حيث هياكل الاستقبال و توفير التكوين المهني المناسب لها .
من جهة أخرى قدرة سوق العمل على استيعاب هذه الفئة الأخيرة أي المتسربين من المدرسة على اعتبار أن مستواها التعليمي متدن ،وتحتاج إلى مزيد من اكتساب المعارف و المهارات التي تؤهلها لاداء الادوار التي ينتظرها القطاع الاقتصادي على سبيل المثال .
و من جهة ثالثة التكلفة في التعليم التي تزيد من جراء الإنفاق الذي لا يؤدي إلى منتوج يساهم في التنمية في المجتمع في مختلف القطاعات و تحقيق العوائد بالنسبة للفرد و المجتمع .
و من جهة رابعة فإن ظاهرة التسرب المدرسي تساهم في انخفاض المخزون التعليمي للمجتمع و الذي يعكسه المجتمع المتعلم او مدى حصول افراد المجتمع على تعليم يرتقي الى المستويات الجامعية ،هو ما اشرنا اليه سابقا في علاقة التربية بالتنمية حيث ان مستوى التنمية في أي مجتمع يقوم على كمية هذا المخزون الذي يكتسبه افراده نتيجة مزاولتهم عدد معين من السنوات الدراسية و التي تسمح بمعرفة موقع كل مجتمع ضمن مجتمعات و دول العالم .
3-الأسباب المؤدية إلى التسرب المدرســي: رغم وجود تباين بين الولايات فيما يخص الارقام حول التسرب المدرسي ومعاناة الولايات الفقيرة من الظاهرة؛ فان المناطق النائية والمعزولة في هذه الولايات هي التي تعاني اكثر من الظاهرة وأبناؤها يخرجون اكثر من المدرسة وهو ما تشير إليه بعض الدراسات عن الأسباب المؤدية الى الظاهرة و تفاقمها ،وعلى الخصوص البعد و المسافة الموجودة بين مكان إقامة الطفل والمدرسة التي يدرس بها ،مع انعدام وسائل التنقل سواءا التي تخص المدرسة او وسائل النقل العام . فتشير بعض المصادر إلى أن هناك 14.7 ٪ من المتسربين في المرحلة الابتدائية في السنة الدراسية 2001-2002 و في الغالب يكون التسرب في السنة الأولى و يتعلق الأمر بأبناء المناطق الريفية اسبابها الصعوبات السابقة الذكر.
أما العامل الثاني الذي يركز عليه الباحثون فيرجع الى الفقر و المستوى الاقتصادي الضعيف الذي تعاني منه اسر المتسربين ،وعدم قدرت هذه الاسر على تحمل أعباء دراسة أبنائها نظرا لانخفاض المستوى المعيشي و نقص موارد الاسر، مما يجعل تعليم أبنائها ليس بالأولوية أمام أولويات و ضرورات تتطلبها الظروف المعيشية و الحياة اليومية.
نلاحظ أن البعد و الفقر من الأسباب الرئيسية المؤدية الى التسرب المدرسي، وهي أسباب خارج المدرسة او يمكن القول أنها أسباب مرتبطة بتأثير المحيط على أداء المدرسة وتعلم الاطفال و مواصلة دراستهم ،ومنه العلاقة التفاعلية بين المدرسة و المحيط أو المدرسة والمجتمع على العموم و تأثير هذا المحيط على اداء المؤسسة التربوية.
أما ما تعلق بالظروف المدرسية فان لها كذلك تأثير في ظاهرة التسرب المدرسي و التي تدخل في سير العملية التعليمية والتأثير المباشر عليها:
مثل الاكتظاظ و متوسط عدد التلاميذ في القسم اومعدل اعداد التلاميذ لكل أستاذ ، وتأثير هذا على التحصيل الدراسي للتلاميذ وعلى اكتسابهم المعرفي و نجاحهم الدراسي .
بالإضافة إلى الأسباب الأخرى مثل البرامج الدراسية وكثافتها أوعدم توفر المؤطرين وما يتعلق بالمدرسة كمكان يقضي فيه الطفل اوقاتا لابأس بها تزيد عن الأوقات التي يقضيها في المنزل ،وما يتميز به هذا المكان من جاذبية و توفير الراحة للتلميذ .
المحاضرة الحادية عشرة
-التوجيه المدرسي في الجزائر:
عرفت المنظومة التربوية في الجزائر عدة إصلاحات منذ الاستقلال، تزامنت مع تغير تسمية الهيئات التابعة لها ، او الوصاية المشرفة على قطاع التربية والتعليم وما تعلق بالتوجيه عموما ،وباعتبار سياسة التوجيه مكون اساسي في هذا القطاع فقد عرف التوجيه هو الاخر تحولا مع ما عرفته المنظومة التربوية من اصلاحات اختلفت معطياتها والياتها مع السياق العام للجزائر المستقلة
لقد شهد التوجيه المدرسي تغيرا عبر عدة مراحل و يمكن القول انه مر بثلاث مراحل بالنظر الى أهم التغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري و السياسة العامة للبلاد والتعديلات التي سجلت في العديد من القطاعات :
المرحلة الاولى (1962- 1976):
رغم اعادة النظر في الحجم الساعي المخصص لتدريس اللغة العربية في المدرسة ؛ الا ان تعريب السنة الاولى ابتدائي كلية كان في سنة 1964 ، و السنة الثانية كان تعريبها في سنة 1967 و الغاء التعليم التحضيري في سنة 1966 من اجل استغلال تلك الهياكل في التعليم الابتدائي لتغطية العجز كما تم الحاق هياكل المدراس التي كانت تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالنظام التعليمي العام و هذا في الموسم الدراسي (1964 - 1965) ,
لقد تميزت السنوات الدراسية الاولى للجزائر المستقلة بإرتفاع هائل في اعداد التلاميذ المسجلين في المدرسة الجزائرية والتي وصلت الى حوالي 52 بالمائة من الاطفال الذين هم في سن التمدرس وهذا في السنة الدراسية( 67-68) ، من خلال هذه الارقام لم يكن من الممكن الوصل اليها دون الاجراءات السابقة الذكر ما تعلق منها بالهيكل واجراءات اخرى متعلقة بتظيف المعلمين و المساعدين و الممرنين بشروط مخففة و رفع اعداد التلاميذ في القسم و الاستغلال الاقصى للقاعات و الوقت و الوسائل المتاحة و الهياكل المتوفرة.
في هذه الفترة من تاريخ الجزائر لم تكن الوصاية تحتوي على مصالح مركزية خاصة بالتوجيه المدرسي مثل ماكان في الفترة الاستعمارية من خلال الفرنسيين القائمين بهذه العملية التوجيهية في المدارس.
ففي سنة 1962 تم توظيف 40 من مستشاري التوجيه منهم جزائري الأصل موزعين على مراكز للتوجيه المدرسي في كل من عنابة ،الجزائر،وهران،سطيف، قسنطينة، مستغانم و التي كانت متوفرة في تلك الفترة .
ومع تنظيم وزارة التعليم في عام 1963 أنشأت المديرية الفرعية للتوجيه والتخطيط المدرسي نظرا للنقص الكبير في المختصين،حيث تم تكوين بعض المستشارين في التوجيه في الخارج والتحقوا بالجزائر بمناصبهم سنة 1964.
قررت الوزارة الاعتماد على التكوين في الجزائر من خلال دفعة أولى في جامعة الجزائر على مستوى المعهد التطبيقي للتوجيه المدرسي، حيث كانت شروط الالتحاق بالمعهد موجهة اساسا للمعلمين الذين لديهم خبرة في التعليم والترشح لاجتياز المسابقة و يكون ذلك من خلال اجتياز المترشح بعد ذلك الامتحان اكتابي ثم بعد ذلك الشفهي، ليزاول المترشح مدة التكوين تدوم سنتين لتتخرج اول دفعة متخصصة في التوجيه المدرسي سنة 1967.
اما بالنسبة لإجراءات التوجيه المستخدمة في هذه المرحلة فقد صارت بشكل يشابه نظام التوجيه المتبع في فرنسا، وما يميز هذه المرحلة هو البعد التربوي في علاقة مستشار التوجيه بالتلميذ وعدم التغطية الكافية للمستشارين بالنظر الى حجم الجمهور المدرسي.
المرحلة الثانية (1976/1991 ):
من أهم الأصلاحات التربوية التي عرفتها الجزائر المستقلة في هذه المرحلة، والمتمثلة في المدرسة الأساسية وفقا للامرية ( 35 /76) التي تحدد ملامح المدرسة الجزائرية وما تعلق بالتوجيه من خلال العناية بالتوجيه اما ما تعلق بالقانون التوجيهي للتربية فيحدده من خلال الفصل السادس الذي خصص للإرشاد و التوجيه المدرسي :
فبخصوص الإرشاد المدرسي ينص القانون على المساعدة التي يجب تقديمها للتلاميذ وخصوصا على شكل إرشادات و معلومات عن المنافذ المدرسية و الجماعية وعن إمكانيات التكوين المهني و الحرف و المسارات المهنية.
إن هده المساعدة و هدا الدعم من شانهما المساهمة في تحضير المشروع الشخصي لكل تلميذ و تجعله في وضعية تسمح له بإجراء اختبارات مدرسية و مهنية عن بينة من الأمر.
فهيا كل دعم نشاطات التوجيه المدرسي و المهني و تحديدا المراكز المتخصصة في هدا الميدان منصوص عليها على غرار الإجراءات و الأجهزة المتعلقة بعمل التوجيه نفسه تجاه شعبه دراسية معينة .
خلال القانون التوجيهي رقم 04 المؤرخ في 2008 و ذلك من خلال تحديد مرتكزات التوجيه والاهداف التي يسعى الى تحقيقها :
يقوم التوجيه على ( المادة 68) في القانون 04-08
استعدادات التلاميذ و قدراتهم و ميولاتهم
متطلبات التخطيط المدرسي
معطيات النشاط الاجتماعي و الاقتصادي
( وزارة التربية الوطنية . القانون التوجيهي للتربية الوطنبة ص 59)
تتولى هذه المراكز :
تنظيم حصص إعلامية و مقابلات فردية
القيام بدراسات نفسية
كتابعة تطور نتائج التلاميذ طوال مسارهم الدراسي
إقتراح تدابير لتسهيل عملية التوجيه و إعادة التوجيه بأسهام أولياء التلاميذ
الاسهام في إدماج خريجي المنظومة التربوية في الوسط المهني.
والملاحظ ان هذه الفترة تمثل مرحلة انتقالية في سياسة التوجيه المدرسي أصبحت مهمة مستشار التوجيه محددة في القيام بالأعلام في شكل حصص يوزع من خلالها مستندات أو كتيبات إعلامية أو مايسمى بالملصقات التي تتضمن المسارات الدراسية أو المهنية التي تختص التلميذ وتكوين عملية الإعلام بصفة جماعية وفردية تتناول إجراءات القبول والتوجيه من الأساسي الى الثانوي وأنواع التخصصات وآفاقها في الجامعة،التكوين المهني وعالم الشغل.
أما بالنسبة للإجراءات التنظيمية للتوجيه في هذه الفترة فقد بقيت منحصرة في التوزيع الآلي للتلميذ وفقا للمعدل المتحصل عليه من خلال السنة الدراسية،حيث يتم الانتقال من المرحلة الثانوية بالقبول التلقائي ل50%من تلاميذ السنة التاسعة أساسي من كل أكمالية وفقا لترتيب التلاميذ على مستوى مدرستهم الأصلية،ويكون قرار التوجيه على هذا الأساس لأنه لا يتم الاعتماد على مجالس التوجيه المسبق ،ومعنى هذان التوجيه يتم في هذه المرحلة بطريقة إلية دون الأخذ بعين الاعتبار القدرات والمؤهلات الفردية لان التوجيه حسب المعدل الذي تحصل عليه التلاميذ فقط هو المؤشر الوحيد لقياس القدرات والاستعدادات فتكون طريقة التوجيه عقيمة دون الأخذ في الحسبان شهادة التعليم الأساسي لأنها يمكن ان تكون المؤشر الذي يعكس المستوى الحقيقي للتلميذ،وقدراته العقلية على مواصلة التعليم،ومع ذلك لم تكن امتحانا رسميا يؤخذ بت في مجال القبول،الأمر الذي أدى في بعض المؤسسات الى تضخيم النقاط من طرف الأساتذة نتيجة للقرابة التي تربطهم مع التلاميذ أو الجهوية،مما يؤثر سلبا على مصداقية التوجيه.
المرحلة الثالثة1991/2004:
تميزت هذه المرحلة بعدة تعديلات خاصة بعملية الانتقال الى المرحلة الثانوية بحيث ان التوجيه لم يعد يعتمد على الاتصال المباشر بالتخصص بل أحدثت الجذوع المشتركة ،وأصبح التعليم الثانوي ينقسم الى قسمين(مرحلتين):
ا-مرحلة الجذع مشترك وتدوم سنة واحدة
ب-مرحلة التخصص وتدوم سنتان وذلك وفق أللمنشور الوزاري المؤرخ في3/4/1991،وفي نفس السنة تم ادماج مستشاري التوجيه المدرسي وتعيينهم في الثانويات لاول مرة مع تحديد المهام والادوار التي يقومون بها.
*إجراءات تحديد معدل القبول حسب مانص عليه المنشور الوزاري2029*:
كما أصبح يعتمد الملمح التربوي للتلاميذ المترشحين للانتقال الى الأولى ثانوي ومن بين التعديلات التي استحدثت ي هذه المرحلة اعادة النظر في مفهوم التوجيه وأساليبه والابتعاد في ذلك الفعل الاتي والتكفل بالتلميذ ومتابعته لتحسين مستواه،حيث تقرر في النصوص الرسمية ضرورة التعرف على التلاميذ وطموحاتهم وكذلك تقويم استعداداتهم ونتائجهم التربوية لتطوير قنوات التواصل الاجتماعي والتربوي داخل المؤسسة التربوية وخارجها.
- إعداد مخطط سنوي لنشاطات الإعلام والتوجيه في بداية كل سنة دراسية،
- التكفل بتقديرات فرص التكوين والتعليم المهنيين وطلباتها،
- تحضير مجلس التوجيه المسبق للتلاميذ نحو الطور مابعد الإلزامي،
- التحديد النهائي لفرص التكوين المهني الممنوحة،
- التحديد النهائي لفرص التعليم المهني الممنوحة،
- تحضير مجلس قبول توجيه التلاميذ إلى الطور ما بعد الإلزامي،
- العمل على ضبط قائمة أسماء التلاميذ المنتقلين وتوجيههم نحو المؤسسات المستقبلة،
- وضع جهاز لتبليغ القرارات للتلاميذ وأوليائهم،
- ضمان متابعة تنفيذ مخطط الإعلام والتوجيه وتقويمه.
- يوجه إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي العام والتكنولوجي، تلاميذ السنة الرابعة متوسط المنتقلون إلى الطور ما بعد الإلزامي، والذين اختاروا هذا النمط من التعليم، المتحصلون على نتائج تنسجم مع أهداف هذه المرحلة من التعليم
- تتفرع السنة الأولى من هذه المرحلة إلى جذعين مشتركين:
- جذع مشترك آداب : وهو يمتد إلى السنة الثانية والثالثة ثانوي من خلال شعبتين:
- 1 - آداب وفلسفة.
- 2- لغات أجنبية.
- جذع مشترك علوم وتكنولوجيا: وهو يمتد إلى السنة الثانية والثالثة من خلال أربع شعب:
- 1- رياضيات
- 2- تقني رياضي
- 3- علوم تجريبية
- 4- تسيير وإقتصاد
- يشكل التعليم الثانوي العام وتكنولوجي المسلك الأكاديمي الذي يلي التعليم الأساسي الإلزامي وهو يرمي، فضلا عن مواصلة تحقيق الأهداف العامة للتعليم الأساسي، إلى توفير مسارات دراسية تسمح بالتخصص التدريجي في مختلف الشعب، تماشيا مع اختيار التلاميذ واستعداداتهم وكذا تحضير التلاميذ لمواصلة الدراسة والتكوين العالي.
- يمنح التعليم الثانوي العام والتكنولوجي في الثانويات.
- وتتوج نهاية التمدرس في التعليم الثانوي العام والتكنولوجي بشهادة بكالوريا التعليم الثانوي.
قائمة المراجع
1-سعيد إسماعيل علي حكومي .الأصول السياسية للتربية، القاهرة،عالم الكتب. 1997.
2-زروقي توفيق.النظام التربوي في الجزائر ،الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية 2008 .
3-عشوي مصطفي. المدرسة الجزائرية إلى أين ؟ الجزائر ، دار الامة 1991
4-بوفلجة غيات.التربية والتعليم بالجزائر، وهران، دار الغرب للنشر والتوزيع ،2006
5-بن عبد الله محمد ، المنظومة التعليمية و التطلع الى الاصلاح ،الجزائر دار الغرب للنشر و التوزيع ، دت
6-عبد الله عبد الدايم. التربية عبر التاريخ. بيرروت: مطبعة العلوم. (دت).
7-سعيد إسماعيل علي. الأصول السياسية للتربية، القاهرة، عالم الكتب. 1997 .
8-برو محمد،اثر التوجيه المدرسي على التحصيل الدراسي في المرحلة الثانوية،دار الأمل والتوزيع ،الجزائر،2009.
9-خديجة بن فليس،المرجع في التوجيه المدرسي والمهني،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر،2014
10-مصطفى الاشرف.الجزائر ،الامة و المجتمع . تر حنفي بن عيسى : الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984
11-رابح خيدوسي . مذكرات شاهد المدرسة و الاصلاح . الجزائر ،دار الحضارة ،2002 .
12-وزارة التربية الوطنية . القانون التوجيهي للتربية .النشرة الرسمية العدد 4 2008.
13-عبد القادر فوضيل . المدرسة الجزائرية حقائق و اشكالات . الجزائر، جسور للنشرو التوزيع دت .
14-ابو القاسم سعد الله . تاريخ الجزائر الثقافي . الجزائر ، وزارة الثقافة ، 2011 .
15-BOUDON Raymond et autres.Dictionnaire de Sociologie,Larousse,Paris,2005
16-Ivone TURIN . Affrontement culturel dans L.Algerie .colonial . Alger . ENAL 1971
17- وزارة التربية الوطنية.القانون التوجيهي للتربية الوطنية. عدد خاص فيفري 2008
- Teacher: Ali Arab